افلام عربي - افلام اجنبي - اغاني - كليبات - برامج - العاب
التأويل وآفاق المعرفة القرآنية * 062011_md_12994403751

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

افلام عربي - افلام اجنبي - اغاني - كليبات - برامج - العاب
التأويل وآفاق المعرفة القرآنية * 062011_md_12994403751
افلام عربي - افلام اجنبي - اغاني - كليبات - برامج - العاب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التأويل وآفاق المعرفة القرآنية *

اذهب الى الأسفل

التأويل وآفاق المعرفة القرآنية * Empty التأويل وآفاق المعرفة القرآنية *

مُساهمة من طرف shawty الأحد 12 ديسمبر 2010, 12:28 am

أن من أكبر العُقد، التي تقف حاجزاً، أمام تشكل بناء فكري إسلامي موحد، يجمع أشتات الرؤى المتباينة، في صيغة ذات ملمح، لا تضيع فيه الثوابت، ولا يتجاهل فيه الواقع المتجدد، هي عُقدة اختراق النص، وكشف مدلولاته، التي توارت خلف زواية النظر المختلفة للنص، فيتشكل وفق كل زاوية البناء المنهجي ومن ثم المنتوج المعرفي، والناظر لآليات الفهم والتفسير التي تراكمت عبر حقب متتالية، يقف على عمق تلك العقدة التي تهدد الصيغة الفكرية والمعرفية للإسلام، ومن هنا لا يمكن أن تكون هناك أي محاولات توصف بكونها جادة، لتجاوز هذا التراكم التراثي وزحزحة الصور المقلوبة، التي تكلست أمام عجلة تطور النص و ملاحقته للواقع، ما لم تقدم مساهمة منهجية، تنطلق من النص وتقترب منه، في محاولة تأصيلية تتسم بالبساطة وبالمتانة في الوقت نفسه، فأما المتانة لما يقتضيه البناء المنهجي، وأما البساطة لأننا لا نتعقل كون القرآن الذي جاء ليتفاعل مع كل زمان ومكان، ملبياً أفاق الإنسان وطموحاته، يكون مرتكزاً على نسيج من التعقيد المنهجي.



وبما أن العقدة بدأت وتكونت نتيجة تكدس منهجي، أو تأصيل مصلحي، لتمرير مفاهيم، أو لشرعنة مواقف، أو جمود أيدلوجي عملت الأيام على تحجيره، فلا بد حينها أن تكون الهزة التي تزحزح كل ذلك، معالجة في المنهج، تتسم بكونها أصيلة تجسد قيم النص ومقاصد الدين، في الوقت الذي تتلمس الواقع المعاش وتتفاعل مع تفاصيله، فملامح الفكر الإسلامي، التي تتماوج في الساحة المعاصرة تتجاذبها تيارات بين طرفي نقيض، بين مركزية تاريخية، تحرك النص ضمن أفق تاريخي، لا يحتمل النص فيها غير تجلي واحد، قد تجسد وتبلور في التجربة الأولى، وحينها ليس أمام الواقع إلا أن يتجاهل حاسة الزمن التي تفصل بينه وبين ماضيه، وفي مقابل ذلك مركزية الحاضر وعصرنة الماضي، في صورة فكرية تلاحق حتى صرخات الموضة، وبينهما أنماط ثقافية متذبذبة، بين مركز الدائرة الأولى والثانية، كما أن الوسطية ليست هي الخيار الأمثل، لأن المشكلة لا تدور حول التفريط أو الإفراط، وإنما في نفس تدوير النص حول هذه المركزيات، فليس الماضي أو الحاضر هو مرتكزاً لفهم النص، وإذا أمعنا النظر في هذه المركزيات نجد أن أساس المشكلة في المعرفة الإسلامية ترجع إلى البحث عن مركزيات لإحالة فهم النص خارج عن إطار النص بمعنى أن النزاع بين التجديديين والتقليديين هو نزاع خارج عن اختصاصات النص فالنص قضية محايدة لا ينتسب إلى زمان أو مكان محدد حتى يكون النزاع بين أن يدور النص حول الماضي أو الحاضر، وإنما لا بد من البحث عن مركزية أخرى تتمتع بنفس حيادية النص، في رؤية تكاملية تنظر لكل الوحدات الزمنية في أفق عرضي واحد، ليس لأي وحدة حق الأولية أو المحورية، فكما الشمس تشرق بضيائها على الواقع دون أن تمتاز فترة زمنية بخاصية تجعلها مركزاً للشمس، وبهذا نسجل أول ملاحظة منهجية أمام التيارات الإسلامية التي انطلقت من الماضي أو الحاضر لفهم النص، لأننا لا يمكن أن نصل إلى فهم للإسلام في عمق مراده، ونحن نحتجب عنه بحجاب الزمان والمكان، فكما أننا لا نبصر الشمس بالواقع، وإنما الواقع هو الذي يُبصر بالشمس، فكذا لا يمكن أن نبلور الإسلام برؤى زمان أو مكان معين، وإنما الواقع هو الذي يجب أن يتبلور ويتشكل وفقاً لرؤى الإسلام، ولا يتحقق ذلك إلا بإيجاد مركزية للفهم تمتلك نفس حيادية النص، لتخرج من سلطة الزمان والمكان، لأن الإسلام كإرث تاريخي أو كفهم معاصر، ما هو إلا محاولات لفهم النص الديني وفق معطاء زماني و مكاني، فالتحفظ الذي نبديه هو في التفكيك بين ما يحمله النص من معنى، وبين المعاني التي أنتجتها تجارب ضمن معطيات خاصة لفهم النص، وهذا لا يعني تجاوز ما قيل وإنما عدم الوقوف عنده واعتباره الصورة المثالية والنهاية للإسلام، فاكتشاف هذه المحورية في نظري هو مساهمة كبيرة في حل مشكلة المعرفة الإسلامية، وهذه الدراسة هي رسم الخطوات الأولى أو هي فتح الباب لإثارة هذه المشكلة .





مركزية العقل المستبصر ببصائر الوحي


اللحظة التي يتم فيها الركون للماضي يتقلص فيها دور العقل واللحظة التي يتم فيها الانفتاح على الواقع يتقلص فيها دور الوحي، والموازنة لا تتحقق إلا بدراسة جديدة لآليات المعرفة عند الإنسان والإنسان المسلم بالخصوص، فمصادر المعرفة حينها تكون محصورة في الوحي والعقل، وبالتالي لا تخرج المركزية المفترضة عنهما، فبإيجاد العلاقة بينهما في كل مشترك يحقق تلك الموازنة، ففي حديث للإمام الكاظم عليه السلام يتحدث فيه عن تلك الموازنة بقوله (الرسول عقل ظاهر والعقل رسول باطن) ومن هنا أن التحقيق المنهجي لا بد أن يسعى إلى رفع الحدود الغامضة بين العقل والوحي لأنه الكفيل بتحقيق الإطار المعرفي في الإسلام، ومن الضروري لفت النظر هنا بأن الكل المشترك بين العقل والوحي الذي نسعى لتحقيقه لا يتحقق إذا نظرنا لكل واحد منهما نظرة تمنحه الاستقلالية والتحقق بمعنى أن الوحي لوحده لا يصلح لأن يكون مصدراً معرفياً كما أن العقل كذلك، كما أننا لا يمكن أن نفترض أن لكل واحد منهما تخصصه الذي يمتلك فيه نحو من الاستقلالية لأنه حينها تختلط الحدود الفاصلة بينهما، وإنما نقصد بالكل المشترك هو الخروج بخيار ثالث يشمل كلا المصدرين في حقيقة واحدة، ونحن لا نجد لتلك الحقيقة تحقق إلا في العقل المستبصر ببصائر الوحي إي العقل الذي يذكو وينمو ويتكامل بالوحي، وبالتالي نرفض كل محاولة عقلية خارجة عن إطار النص، كما نرفض كل محاولة تحاول أن تربط النص بواقع معين، فيكون النص حينها مهيمناً على حركة الزمان دون أن يتأثر بها، لأن إطار تلك المركزية الجديدة هي المعرفة بما هي القابلة للجري والانطباق مدى الأزمان وحينها يكون النص بمثابة النور الذي يكشف الظلومات قال تعالى ﴿يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِيناً﴾(1)ومن خاصية النور أنه يشرق على المتغيرات التي تتحرك تحته من دون أن تؤثر في إشراقه.



ولكي يتصف الفكر الجديد بالشمولية والديمومة، لا بد أن يكون مستبطناً لقيم كلية صالحة للجري مدى الزمان والانطباق على المتغيرات، ولا يمكن أن نتصور بأي شكل من الأشكال أن يكون هناك فكراً يتصف بالشمولية والديمومة، وهو في الوقت نفسه تصورات جزئية ومصاديق محدودة، وهذه هي الملاحظة الثانية في المنهج، فالذين تشبثوا بمركزية التاريخ تصوروا الإسلام رؤى محدودة، قد تجسدت في شكل صور مثالية لسلف الأمة، وبذلك ابتعدوا عن الإسلام في الوقت الذي ابتعدوا فيه عن الواقع، ومن هنا عاشوا حالة من الانفصام بين قدسية التاريخ وانحراف الواقع، فما كان إلا الكفر به ومقاطعته، يقول نصر حامد أبو زيد (إن الخطأ الجوهري في موقف أهل السنة قديماً وحديثاً هو النظر إلى حركة التاريخ وتطور الزمن بوصفها حركة نحو الأسوأ على جميع المستويات، ولذلك يحاولون ربط معنى النص ودلالته بالعصر الذهبي، عصر النبوة والرسالة ونزول الوحي متناسين أنهم في ذلك يؤكدون زمانية الوحي لا من حيث تكوُّن النص وتشكُّله فقط، بل من حيث دلالته ومغزاه كذلك، وليس هذا مجرد خطأ (مفهومي) ولكنه تعبير عن موقف أيديولوجي من الواقع، موقف يساند التخلف ويقف ضد التقدم والحركة )(2) أما الذين تشبثوا بالحاضر، لم ينظروا إلا إلى إسلام المركزية التاريخية، ولذا تطرفوا في رفضه متشبثين بقيم جديدة تفرضها ضرورة الحياة العصرية، ففي حين اقتربوا من الواقع ابتعدوا عن قيم الإسلام، وكلا القولين له وجود في الجدل الثقافي بين العلمانيين والتيارات الإسلامية الراديكالية أو التقليدية.



ولكي يكون لنا انطلاقة جديدة في فهم النص الديني، لا بد أن نبحث عن تلك الآليات التي تكشف عن القيم والسنن المبثوثة فيه، لأنها الكفيلة بجعل القرآن مشرفاً ومهيمناً على الزمان والمكان، فالضرورة الموضوعية تجعلنا أمام خيارين أولهما أن يتشكل النص وفق الواقع الزماني والمكاني، وبالتالي يصبح النص أثير ذلك الزمان والمكان ومن ثم التراث الذي يقف حاجزاً أما البنية التطورية للنص، وإما أن يتشكل الزمان والمكان وفقاً لبصائر الوحي، وذلك عندما يمتلك النص خاصية إشراقية تسمح بحرية الحركة للواقع بكل مكوناته في أفق عقلي يستوعب كل خصوصيات المرحلة، وفي هذه الحالة لا بد أن تكون تلك البصائر.. القيم.. السنن.. الحِكم.. واضحة ومترتبة في شكلها الهرمي لكي تتحقق مركزيتها ويصح الرجوع إليها، وهذا ما لم تهتم به المنهجيات التفسيرية والتأويلية.



ولكي تتضح تلك المركزية لا بد من نقاش حول الآليات المطروحة لفهم النص في الفكر الإسلامي وهي التفسير والتأويل ثم نبين أن الحدود الغامضة بينهما كانت وراء إشكالات المعرفة الإسلامية وبخصوص فهم النص مما قلص حدود الاستفادة منه





القسم الأول قراءة في المصطلح


إذا نظرنا إلى التراث الإسلامي، في تعاطيه مع النص القرآني، نجد تباين منهجي تكشف عنه بشكل واضح كتب التفسير، فبين من رآه مصدراً لغوياً فراح يتفنن في إعرابه وبيان صوره الفنية والبلاغية، وبين من راء فيه كتاب تاريخي يتناول قصص الأقدمين وحضارة الماضين وهكذا.. كتاب لغز وإشارة … كتاب فقه وأحكام… اجتماع … سياسة… طبيعة … وبالتالي المخزون المعرفي الذي يمتلكه المفسر، هو الذي يحدد نوع تفسيره، يقول دكتور منيع عبد الحليم أستاذ علوم القرآن في الأزهر (واختلفت أنظار المفسرين وطرقهم ومناهجهم في التفسير تبعاً لاختلاف مشاربهم، فمنهم من غلبت عليه النزعة الفكرية العقائدية فتوسع توسعاً كبيراً في شرح الآيات المتصلة بهذه المعاني، ومنهم من غلبت عليه النزعة الفقهية الشرعية فتوسع توسعاً كبيراً في هذه النواحي وهكذا من توسع في القصص والأخبار ومن توسع في الأخلاق والتصوف والمواعظ وآيات الله في الأنفس والآفاق وغير ذلك )(3) وهذا لا يعني عدم الاعتراف بالجوانب المضيئة التي تكشف عنها هذه التفاسير، ولكننا نبحث عن المعرفة التي تمثل شمولية وصلاحية الفكر الإسلامي.



أن جذر المشكلة كان يرتكز على الخلط الذي وقع بين معنى التفسير والتأويل، ففي فهم السلف لم يكن هناك تفريق بين المعنيين، يقول محمد هادي معرفة (كان التأويل في استعمال السلف مترادفاً مع التفسير، وقد دأب عليه أبو جعفر الطبري في جامع البيان )(4) وهذا المعنى المترادف أهمل آليات التأويل الخاصة، ولم يجعل له من المميزات ما تجعله مكملاً للتفسير، أو حلقة أخرى تؤسس لبناء معرفي أهتم به النص وأهمله التفسير، وبالتالي حصر الاستفادة من القرآن ضمن إطار الفهم الظاهري الذي ينتجه التفسير فوت على الفكر الإسلامي مكتسبات كانت يمكن أن تساهم في حل معضلاته المعرفية.



أما البعد الآخر للمعنى التراثي للتأويل، قد أكتسب معناً سلبياً وأعتبر نوعاً من أنواع التفسير بالرأي، وبخاصة بعد أن بدأت تتكرس في الأمة سلطة السلف، التي تحصر الاستفادة من النص ضمن المنقول من أقوال الصاحبة، وحينها أصبح التأويل سلاح يحارب به أصحاب المدارس العقلية، الذين صنفوا بأنهم أصحاب تأويلات، يقول نصر حامد أبو زيد (وليس هذا المسلك في الفكر الديني الرسمي في الحقيقة مغايراً لمسلك الاتجاهات الرجعية في التراث التي وصمت بدورها كل التأويلات المناقضة لتأويلاتهم بأنها تأويلات –فاسدة –أو مستكرهة – وأنها في أحسن الأحوال تفسير بالرأي المذموم والمنهي عنه من الرسول والصحابة. وقد تم تصنيف أصحاب هذه التأويلات بأنهم من أهل البدع وذلك في مقابل أهل السنة والجماعة وهو تصنيف يستهدف مصادرة الفكر النقيض ومحاصرته وحبسه في دائرة الكفر في مقابل الصدق والإيمان الذي يومئ إليه مفهوم أهل السنة)(5) وبهذا المفهوم حوصرت كل العقليات الإسلامية، التي حاولت تفعيل النص بمعطى عقلي، وأعطي في المقابل التفسير حيزاً أستوعب فيه الحدود التي يتحرك فيها التأويل، وذلك إما أن يجعلوا للتأويل معناً مرادفاً للتفسير، وإما أن يصنف عملاً بالرأي وخروجاً عن الدين.





التداخل بين التفسير والتأويل


ولكي نرسم هذه الحدود الفاصلة بين التفسير والتأويل، لا بد أن نرجع إلى تعريف كلا المصطلحين، يقول الزركشي في معنى التفسير لغة (أما التفسير في اللغة، فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف وأصله في اللغة من التفسير، وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء، فكما الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علة المرض، فكذلك المفسّر، يكشف شأن الآية وقصصها ومعناها، والسبب الذي أنزلت فيه..فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه وإطلاقٌ للمحتبس عن الفهم به، ويقال: فسرت الشيء أفسره تفسيراً، وفسرته أفسره فسراً، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال، وبمصدر الثاني منهما سمى أبو الفتح ابن جنى كتبه الشارحة الفسر )(6) بهذا يراد من التفسير لغتاً البيان والإيضاح، وقد وردت لفظة التفسير في القرآن بمعنى البيان، في قوله تعالى في سورة الفرقان ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ إي ما يأتونك بحجة إلا جئناك بحجة أحسن بياناً، قال الراغب: (الفَسْر والسَفْر متقاربا المعنى كتقارب لفظيهما، لكن جُعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، والسفر لإبراز الأعيان للأبصار.يقال: سفرت المرأة عن وجهها وأسفرت وأسفر الصبح، وقال تعالى: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ أي بياناً وتفصيلاً (7) أما التفسير في الاصطلاح، هو إزاحة المعنى المبهم عن النص، وإفادة المعنى المقصود، وأعتبر البعض أن التفسير ما يتعلق بالجوانب العامة التي تدور خارج النص، من أسباب النزول، والمكي، والمدني، والخاص، والعام، كما يعرف الزركشي التفسير بقوله (هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها، والإشارات النازلة فيها، ثم ترتيب مكيِّها ومدنيِّها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها)(Cool وكل هذه العلوم متوقفة على النقل وليس فيها مجال للاجتهاد، إلا في باب ترجيح المتعارض، والدليل على غلبة هذا النمط من التفاسير، هو رواجها واحتكارها للمساحة الأكبر في كتب التفسير، وهذا ما كرث إبعاد التأويل عن ساحة القرآن، ولذا نجد أن اللذين أهتموا بشأن القرآن وعلومه، أكدوا بشكل جلي في تصنيفاتهم، مدى تركيز التفسير والمفسرين على ما يدور خارج النص، فإذا رجعنا للزركشي في البرهان، أو السيوطي في الإتقان، رأينا أن عناوين الأبحاث التي أهتم بها التفسير طوال قرون متطاولة، تعبر عن الاهتمام البالغ بالتفسير على حساب التأويل، بخاصة أن العلمين من أعلام القرن التاسع الهجري، فيكشفان عن حجم التراث المنقول في هذا الخصوص، وبمراجعة عناوين الإتقان، التي تعتبر أوسع من البرهان، نجدها واضحة في ما قلناه، وإليك نمازج من عناوينه التي بلغت الثمانين عنواناً.
النوع الأول: معرفة المكي والمدني، الثاني: معرفة الحضري والسفري، الثالث: النهاري والليلي. الرابع: الصيفي والشتائي. الخامس: الفراشي والنومي. السادس: الأرضي والسماوي. السابع: أول ما نزل. الثامن: آخر ما نزل. التاسع: أسباب النزول. العاشر: ما نزل على لسان بعض الصحابة. الحادي عشر: ما تكرر نزوله. الثاني عشر: ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه. الثالث عشر: ما نزل مفرقاً وما نزل جمعاً. الرابع عشر: ما نزل مشيعاً وما نزل مفرداً …. وهكذا ثمانين نوعاً ثم يقول (فهذه ثمانون نوعاً على سبيل الإدماج، ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة )(9)وفي هذا الجهد الجبار الذي يحشد فيه السيوطي أراء المفسرين ومدى اهتمامهم بالعلوم التي تتعلق بالتفسير، لا تشتم فيه رائحة للتأويل، وذلك بسبب استبعاد المدارس العقلية الإسلامية، ومن الواضح أن التأويل في فهم السيوطي مرادف للتفسير، وإن كان هناك خصوصية يمتاز بها التأويل عن التفسير عنده، هو تبديل كلمة تفسير بكلمة تأويل، عندما يحتمل النص في فهمه الظاهري أكثر من معنى، يقول في عنوان لفصل (ذكر ما وقفت عليه من تأويل الآية المذكورة على طريق أهل السنة )(10)ثم يذكر نمازج لا تتجاوز تعدد المعنى للفظ الواحد.



وهذه الطريقة التفسيرية المستوعبة لنواحي الاستفادة من النص القرآني، قلصت الاجتهاد في فهم النص، وأصبحت الدوائر الاستنباطية لا تتجاوز آيات الأحكام، وبعض الجدل العقائدي بين المذاهب، في آيات الصفات وغيرها، مما جعل عملية التأويل مؤدلجة تعمق الخلاف، وتفكك بناء الاجتماع الإسلامي، في حين أن طبيعة الثقافة العصرية، تطرح على الفكر الإسلامي استفهامات ملحة، تتعلق بضرورة الحياة – سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وحضارياً – وهكذا نتسأل، كما تسأل محمد أركون (هكذا نجد أنفسنا مضطرين لأن نتساءل فيما إذا كان الإتقان وكل الأدبيات المشابهة التي ألفت قبله أو بعده تتيح لنا تكوين أية معرفة بالقرآن، أم أنها تمثل فقط وبكل بساطة معارف مدرسية سكولاستيكية لا بد منها من أجل دراسة القرآن. في كلتا الحالتين نجد فيما يخصنا أن المنهج والمقاربات والإشكاليات والعلوم والمواقف العقلية المستخدمة في هذه الأدبيات هي إما بالية وإما غير مطابقة (صحيحة) وإما غير كافية. لكي نتيح المجال للتساؤلات الجديدة. لكي نجعل قراءات القرآن التي لم تجرب (أو لم تحاول) حتى الآن ممكنة الوجود، لكي ندمج الظاهرة القرآنية في الحركة الكبرى للبحث العلمي والتأمل الفلسفي )(11)وإن كنا نتفق مع تشخيصه للمشكلة، التي حصرت معارف القرآن في أطر شكلية تراثية، ضمن أدبيات إما بالية أو غير صحيحة، وإننا أمام ضرورة لاستلهام معرفة قرآنية جديدة، إلا إننا نجده يحاول إخضاع النص من جديد لمعطيات عصرية زمانية، لم يخلص الفكر البشري فيها لصورة نهائية، مما يجعل النص القرآني في مشكلة مزمنة، فالذي يكافح من أجله أركون، هو تفكيك النص الديني من الفهم التراثي، الذي علق بالنص نتيجة معطيات زمانية ومكانية، يحاول من جديد توريثه للأجيال القادمة، عندما يخضع النص من جديد للمعطاء الزماني والمكاني، فالذين قاموا بنفس دوره في التاريخ من أصحاب التأمل الفلسفي، هم الفلاسفة الذين اشتغلوا بالعلوم العقلية، من أمثال الفارابي، وبن رشد، وبن سيناء، الذين كان يسبحون عكس التيار الجامد على ظواهر النصوص، في محاولة لإخضاع النص لمباني عقلية فلسفية، تحول هؤلاء في ما بعد إلى تركة ثقيلة، لم تتمكن الأمة من تجاوزها برغم التقدم العلمي والفلسفي، فالمشكلة تكمن في أن الأمة إلى الآن لم تتمكن من التعامل الأمثل مع القرآن، فإما أن تتوقف عند قشوره، وإما تحاول أن تفرض عليه مفاهيمها الزمانية الخاصة، وحيينها تدور المشكلة في دائرتها المغلقة، فالتصور القرآني في منظار الحداثيين، يٌجرد القرآن من خصوصيته الذاتية في امتلاكه للحقيقة المطلقة والقيم الثابتة، واعتبار القرآن حقيقة موضوعية قابلة للبناء والتشكل من جديد، لما يحمله من توجيهات نسبية، فالقرآن حين إذ لا يفترق عن أي نص أدبي أبدعه أديب بارع جُردت عنه حقوق الملكية وأبعد كذات فاعلة ومريدة في النص، فالحقيقة التي ننطلق منها، أن النص القرآني صناعة إلهية، وليست بشرية فهذا الانتماء الإلهي يجعل للقرآن خاصية إطلاقية مثالية مستبطنة لكل الحقائق الإلهية ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَحْوِيلاً﴾.

فإذاً ليست الصورة الموروثة للتفسير، ولا المحاولات التفسيرية الجديدة، يمكن أن تقربنا إلى لباب القرآن ومعرفة محتواه، مما يحفزنا إلى الاقتراب من القرآن من جديد، في محاولات مستمرة لكي نتعرف على منهجه الخاص في ذلك، وفي اعتقادي أن دراسة مفردة التأويل والمعاني المتداخلة فيها، يمكن أن تقربنا إلى المنشود.





التأويل بين المعنى الشائع وإرادة التجديد


هذا الفصل بين المعنيين يرجى منه كشف التباين المعرفي في حركة الفكر الإسلامي بين المعاني التي ورثتها الأمة عن التأويل، وبين المحاولات الحديثة لنزع مفاهيم جديدة تكون أكثر وعيناً للحاضر، ففي المقاربة الأولى نستعرض رأي العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، فقد جمع كل الآراء الشائعة حول معنى التأويل، وفي المقاربة الثانية نستعرض رأي نصر حامد أبو زيد، الذي حاول أن يعطي التأويل معنى يسمح له ببناء فكري يخالف فيه المشهور، ومن ثم نستعرض المعني الذي نختاره وفقاً لفهمنا لروايات أهل البيت، واستخدامات كلمة التأويل في القرآن.



يقول العلامة الطباطبائي: فسر قوم من المفسرين التأويل بالتفسير وهو المراد من الكلام، وإذ كان المراد من بعض الآيات معلوماً بالضرورة كان المراد بالتأويل على هذا من قوله تعالى: وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية، هو المعنى المراد بالآية المتشابهة، فلا طريق إلى العلم بالآيات المتشابهة على هذا القول لغير الله سبحانه أو لغيره وغير الراسخين في العلم.



وقالت طائفة أخرى: أن المراد بالتأويل: هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ، وقد شاع هذا المعنى بحيث عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه بعد ما كان بحسب اللفظ لمعنى مطلق الإرجاع أو المرجع.



وكيف كان فهذا المعنى هو الشائع عند المتأخرين كما أن المعنى الأول هو الذي كان شائعاً بين القدماء المفسرين، سواء فيه من كان يقول: إن التأويل لا يعلمه إلا الله، ومن كان يقول: إن الراسخين في العلم أيضاً يعلمونه كما نقل عن ابن عباس: أنه كان يقول: أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله.



وذهبت طائفة أخرى: إلى أن التأويل معنى من معاني الآية لا يعلمه إلا الله تعالى، أو لا يعلمه إلا الله والراخسين في العلم مع عدم كونه خلاف ظاهر اللفظ، فيرجع الأمر إلى أن للآية المتشابهة معاني متعددة بعضها تحت بعض، منها ما هو تحت اللفظ يناله جميع الأفهام، ومنها ما هو أبعد منه لا يناله إلا الله سبحانه أو هو تعالى والراسخون في العلم.



وقد اختلفت أنظارهم في كيفية ارتباط هذه المعاني باللفظ فإن من المتيقن أنها من حيث كونها مراد من اللفظ ليست في عرض واحد وإلا لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى وأحد وهو غير جائز على ما بين في محله، فهي لا محالة معان مترتبة في الطول: فقيل: إنها لوازم معنى اللفظ إلا أنها لوازم مترتبة بحيث يكون للفظ معنى مطابقي وله لازم وللازمه لازم وهكذا، وقيل: إنها معان مترتبة بعضها على بعض ترتب الباطن على ظاهره، فإرادة المعنى المعهود المألوف إرادة لمعنى اللفظ وإرادة لباطنه بعين إرادته نفسه كما أنك إذا قلت: اسقني فلا تطلب بذلك إلا السقي وهو بعينه طلب للإرواء، وطلب لرفع الحاجة الوجودية، وطلب للكمال الوجودي وليس هناك أربعة أوامر ومطالب، بل الطلب الواحد المتعلق بالسقي متعلق بعينه بهذه الأمور التي تعضها في باطن بعض والسقي مرتبط بها ومعتمد عليها.



وهيهنا قول رابع: وهو أن التأويل ليس من قبيل المعنى المراد باللفظ بل هو الأمر العيني الذي يعتمد عليه الكلام، فإن كان الكلام حكماً إنشائياً كالأمر والنهي فتأويله المصلحة التي توجب إنشاء الحكم وجعله وتشريعه، فتأويل قوله: أقيموا الصلاة مثلاً هو الحالة النورانية الخارجية التي تقوم بنفس المصلي في الخارج فتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وإن كان الكلام خبرياً فإن كان إخباراً عن الحوادث الماضية كان تأويله نفس الحادث الواقعة في ظرف الماضي كالآيات المشتملة على أخبار الأنبياء والأمم الماضية، فتأويلها نفس القضائية الواقعة في الماضي وإن كان أخباراً عن الحوادث والأمور الحالية والمستقبلة فهو على قسمين: فإما أن يكون المخبر به من الأمور التي تناله الحواس أو تدركه العقول كان أيضاً تأويله ما هو في الخارج من القضية الواقعة كقوله تعالى (وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ) التوبة 47 وقوله تعالى ﴿غُلِبَتِ الرّومُ*فِيَ أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ الروم 2-3 وإن كان من الأمور المستقبلة الغيبية التي تناله حواسنا الدنيوية ولا يدرك حقيقتها عقولنا كالأمور المربوطة يوم القيامة ووقت الساعة وحشر الأموات والمجمع والسؤال والحساب وتطائر الكتب أو كان مما هو خارج من سنخ الزمان وإدراك العقول كحقيقة صفاته وأفعاله تعالى فتأويلها أيضاً نفس حقائقها الخارجية.



والفرق بين هذا القسم أعني الآيات المبينة لحال صفات الله تعالى وأفعاله وما يلحق بها من أحوال يوم القيامة ونحوها وبين الأقسام الأخرى أن الأقسام الأخرى يمكن حصول العلم بتأويلها بخلاف هذا القسم فإنه لا يعلم حقيقة تأويله إلا الله تعالى نعم يمكن أن يناله الراسخون في العلم بتعليم الله تعالى بعض النيل على قدر ما تسعه عقولهم
وأما حقيقة الأمر الذي هو حق التأويل فهو مما أستأثر الله سبحانه بعلمه.

فهذا هو الذي يتحصل من مذاهبهم في معنى التأويل وهي أربعة.



وهيهنا أقول أخرى ذكروها هي في الحقيقة من شعب القول الأول وأن تحاشى القائلون بها عن قبوله فمن جملتها.



أن التفسير أعم من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية ويستعمل التفسير فيها وفي غيرها.



ومن جملتها: أن التفسير بيان معنى اللفظ الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً والتأويل تشخيص أحد محتملات اللفظ بالدليل استنباطاً.
ومن جملتها أن التفسير بيان المعنى المقطوع من اللفظ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها وهو قريب من سابقه.
ومن جملتها: أن التفسير بيان دليل المراد والتأويل بيان حقيقة المراد، مثله: قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد فتفسيره: أن المرصاد مفعال ومن قولهم: رصد يرصد إذا راقب، وتأويله التحذير عن التهاون بأمر الله والغفلة عنه.
ومن جملتها: أن التفسير بينان المعنى الظاهر من اللفظ والتأويل بيان المعنى المشكل.
ومن جملتها: أن التفسير يتعلق بالرواية والتأويل يتعلق بالدراية.
ومن جملتها: أن التفسير يتعلق بالاتباع والسماع والتأويل يتعلق بالاستنباط والنظر. فهذه سبعة أقوال هي في الحقيقة من شعب القول الأول الذي نقلناه، يرد عليها ما يرد عليه وكيف كان فلا يصح الركون إلى شيء من هذه الأقوال الأربعة وما ينشعب منها)(12).
ثم يبدأ برد هذه الأقوال ليستخلص رويته الخاصة فيعترض على القول الأول (ننقله بالمعنى)



لازم هذا القول أن بعض آيات القرآن لا يعلم تفسيرها والمراد من مدلولها عامة الأفهام، وهذا مخالف لصريح منطوق القرآن بأنه أنزل لتناله الأفهام، وليس هناك ملازمة بسبب اشتمال كلاً من التفسير والتأويل على معنى الرجوع بأن يكون لهما معناً مترادفاً فكما أن الرئيس مرجع للمرؤوس وليس بتأويل له.



أما القول الثاني فأن هناك آيات ظاهرها يوجب الفتنة لمخالفته للمحكمات فيراد منها معنى آخر فإن كان التأويل هو إرادة المعنى المخالف للظاهر فيلزم منه أن الذين يريدون الفتنة يطلبون ظاهره وليس باطنه وهو خلاف الآية (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) ففي القرآن اختلافاً بين الآيات لا يرتفع إلا بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الأفهام، وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى ﴿أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ النساء 82 إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بأن يقال: إنه أُريد بإحداهما أو بهما معاً غير ما يدل عليه الظاهر بل معنى تأويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلا الله سبحانه مثلاً لم تنجح حجة الآية ،فبالتالي القرآن معرض لعامة الأفهام، ومسرح للبحث والتأمل والتدبر، وليس فيه آية أريد بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربي، ولا أن فيه أحجية وتعمية.



أما القول الرابع بأن للقرآن له معاني مترتبة بعضها فوق بعض فهذا مما لا ينكر إلا أنها كلها مداليل لفظية تختلف بحسب ذكاء السامع وبلادته وهذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التأويل: وما يعلم تأويله إلا الله، فإن المعارف العالية والمسائل الدقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التقوى وطهارة النفس بل من حيث الحدة وعدمها، وإن كانت التقوى وطهارة النفس معينين في فهم المعارف الطاهرة الإلهية لكن ذلك ليس على نحو الدوران والعلية كما هو ظاهر قوله: وما يعلم تأويله إلا الله.



أما القول الرابع وهو قول ابن تيميه كما هو واضح ويوافقه المؤلف على كون التأويل يشمل المحكم والمتشابه وأن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي بل هو أمر خارجي يبتني عليه الكلام، واختلف معه في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام حتى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة تأويل للكلام، وفي حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات وآيات القيامة.



ثم يستنتج المؤلف بعد عرضه ورده على هذه الآراء ما يرتئه من معنى للتأويل بقوله (إذا عرفت مما مر علمت: أن الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعة التي تستند إليها البيانات القرآنية من حكم أو موعظة أو حكمة، وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية، محكمها ومتشابهها، وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ، وإنما قيدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب فهي كالأمثال تضرب ليقرب بها المقصد وتوضيح بحسب ما يناسب فهم السامع كما قال تعالى: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾(2) ﴿إِنّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(3) ﴿وَإِنّهُ فِيَ أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمٌ﴾ الزخرف 1-4 )(13)



فأختار بذلك معناً أقرب للتصور المثالي، فتلك المعاني هي حقائق معنوية علاقتها بالقرآن كعلاقة الروح بالجسد، وليس هو من قبيل الألفاظ المفرقة والمقطعة، ولا المعاني المدلول عليه بها، وبتقريب آخر، أن خلف هذا القرآن الذي نقرأه قرآن آخر، وكتاب آخر، وهو معاني مجردة في أم الكتاب، هو المقصود بالتأويل يقول: (أن وراء ما نقرأه ونعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد والمتمثل من المثال – وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم – وهو الذي تعتمد وتتكي عليه معارف القرآن المنزل ومضامينه، وليس من سنخ الألفاظ المفرقة المقطعة ولا المعاني المدلول عليها بها، وهذا بعينه هو التأويل المذكور في الآيات المشتملة عليه لانطباق أوصاف ونعوته عليه. وبذلك يظهر حقيقة معنى التأويل ويظهر سبب امتناع التأويل عن أن تمسه الأفهام العادية والنفوس غير المطهرة )(14)



ونحن هنا إذا اكتفينا بما أستعرضه من رد على كل المعاني الأخرى للتأويل، نجد أنفسنا ملزمين أن نتوقف قليلاً لاستيضاح ما أختاره من معنى للتأويل، ولعنا نحتاج إلى حركة تأويليه أخرى لنكشف مراده
فما هي تلك الحقيقة الغيبية التي يتكي عليها القرآن الذي نقرأه ؟
فإن كان واضحة ويمكن فهمها فما هي ؟
وإن كانت مما لا تدركه إلا النفوس الطاهرة، فهو تفسير للغامض بشيء أكثر غموضاً وهو ممتنع



ونحن لا نعرف حقيقة يمكن أن يتكي عليها أي نص سوى القيم والحِكم التي تمثل الهدف الأساس من النص أو الكلام، فإن كانت هي، فكيف يحكم على أنها معاني مجردة لا تحيطها حتى شبكة الألفاظ ولا تدركها العقول؟ والقرآن صريح في إنزال هذه الحِكم قال تعالى ﴿ذَلِكَ مِمّآ أَوْحَىَ إِلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾



ومن ثم ما هي الحكمة المرجوة من إرجاع معنى التأويل إلى أم الكتاب في البيت المعمور؟ فكأنما يقول أن الهدف الأساسي من القرآن ليس هو في ذاته، وإنما هو وسيلة يعرج بها الإنسان إلى الكتاب الأساسي، وهو الحقيقة المعنوية المجردة في أم الكتاب، فلا يكون القرآن إلا تجلي مادي لتلك الحقيقة، وهو المقصودة بالتأويل، فإذا كان الهدف من القرآن هو تلك الحقيقة، وإن هذه الحقيقة لا يدركها إلا الله أو الله والراسخين في العلم من الرسول وأهل بيته، فيكون بذلك القرآن رسالة خاصة لنمازج تعد على أصابع الأيدي، وهو خلاف الحكمة، وخلاف شمولية الخطاب القرآني للجميع، ولا يمكن القول أن معرفة الأمة تتحقق عن طريقهم لأنها تجربة ذاتية معنوية، وليست موضوعية يمكن وصفها، وإلا اكتفينا بوصف القرآن لها واعتبرناها حقيقة للجميع، كما إننا لا نجد في ما جاء عنهم، تأويل لكل الكتاب، مما يعني حرمان هذه الأمة عن كل المعارف التي تتعلق بتأويل القرآن، وهو خلاف حكمة القرآن، الذي يقتضي التذكية والتعليم لكل الناس قال تعالى ﴿ يُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾



يقول الشيخ المحقق محمد هادي معرفة في مناقشة رأي الطباطبائي (غير أن وقفة فاحصة عند كلام هذا المحقق العلامة، تجعلنا نتردد في التوافق معه، إن رحمه الله لو كان اقتصر على ما لخّصه أخيراً، من جعل ملاكات الأحكام والمصالح والغايات الملحوظة في التشريعات والتكاليف تأويلاً، أي أصلاً لها ومرجعها الأساسي لكل ذلك المذكور، لأمكننا مرافقته.



لكنه توسّع في ذلك، وفرض من تأويل آي القرآن كلها أمراً بسيطاً ذا إحكام رصين، ليس فيه شيء من هذه التجزئة والتفصيل الموجود في القرآن الحاضر الذي يتداوله المسلمون منذ أول يومهم فإلى ما لا نهاية، فإن ذلك عارٍ عن كونه آية آية وسورة سورة، وجوداً واحداً بسيطاً صرافاً، مستقراً في محل أرفع، ﴿فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ﴾(78) ﴿لاّ يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ﴾.
وفرض من القرآن ذا وجودين: وجوداً ظاهراً يتشكل في ألفاظ و عبارات ذوات مفاهيم معروفة، وهو الذي يُتلى ويُقرأ ويُدرس، ويتداوله الناس حسبما ألفوه طوال عهد الإسلام.



ووجوداً أخر باطنياً، هو وجوده الحقيقي الأصيل، المترفع عن أن تناله العقول والأحلام، فضلاً عن الأوهام، وذلك الوجود الحقيقي الرفيع هو تأويل القرآن، أي أصله ومرجعه الأصيل)(15).



ويقول (.. قد وصف بكونه ﴿ هُدًى لّلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مّنَ الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة 185 ومعلوم أن الهداية والبينات، إنما هي بهذا الكتاب الذي يتداولونه، لا بكتاب مكنونٍ عند الله محفوظٍ لديه في مكانٍ عليٍ لا تناله الأيدي والأبصار
كما أن الذي يبتغيه أهل الزيغ لأجل الفساد في الأرض، هو تفسير الآيات على غير وجهها، لا وجوداً آخر للقرآن، هو في أعلى عليين.
فقوله رحمه الله )وأنه موجود لجميع الآيات محكمها ومتشابهها، وأنه ليس من قبيل المفاهيم بل من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكة الألفاظ..) غير مفهوم لنا )(16)





مقاربة نصر حامد أبو زيد للتأويل


في البدء يؤكد على أن التراث الإسلامي ضخّم التفسير على حساب التأويل، وأعتبر ذلك محاولة لمصادرة لكل اتجاهات الفكر الديني المعارض، في قبال التفسيرات التي سخرت الدين لخدمة السلطات الحاكمة، يقول في ذلك (وإذا كان مصطلح (التأويل) في الفكر الديني الرسمي قد تحول إلى مصطلح مكروه لحساب مصطلح التفسير، فإن وراء مثل هذا التحويل محاولة مصادرة كل اتجاهات الفكر الديني المعارضة سواء على مستوى التراث أم على مستوى الجدل الراهن في الثقافة. إن وصم الفكر السائد للفكر النقيض بأنه فكر تأويلي يستهدف تصنيف أصحاب هذا الفكر في دائرة ﴿الّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾. ويتجاوب مثل هذا التصنيف تجاوباً تاماً مع الخطاب السياسي المباشر الذي يصم كل تحركات المعارضة أو الاحتجاج السياسي ضد قرارات السلطة التنفيذية بأنها تحركات تستهدف إثارة الفتنة، وفي مقابل ذلك يكون وصف تأويلات هذا الفكر الرسمي (تفسير) وصفاً يستهدف إضفاء صفة موضوعية و( الصدق) المطلق على هذه التأويلات )(17)



يعتقد بذلك أن المفارقة في التصور الإسلامي، ناتجة عن التنازع بين البنية السلطوية، التي اعتمدت التفسير لتقديم تصور واحد للنص، وبين النزعة العقلية المنفتحة، التي ترى من خلال التأويل اشتمال النص الواحد على تصورات متعددة، وهو يشير بذلك إلى أن الفكر الديني لا يصل إلى غمة المعطى الثقافي والفكري، إلا إذا تحول النص إلى حقل للعمل العقلي بدون إي قيد سلطوي، وبخاصة سلطة التراث، مؤسساً بذلك للتأويل، باعتباره المدخل الوحيد للعمل العقلي الحر في النص، ومن هنا نجده يعرف التأويل، بأنه حركة ذهنية لا تخضع لوسائط خارجية، وإنما انتقال من الذات للموضوع بشكل مباشر ،وهو خلاف للتفسير الذي لا يتحقق قوامه إلا بالتوسط يقول: (لا حظنا في التفرقة اللغوية بين «التفسير» و«التأويل» أن ثمة فارقاً هاماً بينهما يتمثل في أن عملية «التفسير» تحتاج دائماً إلى «التفسرة» وهي الوسيط الذي ينظر فيه المفسر فيصل إلى اكتشاف ما يريد، في حين أن «التأويل» عملية لا تحتاج دائماً هذا الوسيط، بل تعتمد أحياناً على حركة الذهن في اكتشاف «أصل» الظاهرة، أو في تتبع «عاقبتها». وبكلمات أخرى يمكن أن يقوم «التأويل» على نوع من العلاقة المباشرة بين «الذات» و« الموضوع»، في حين أن هذه العلاقة في عملية «التفسير» لا تكون علاقة مباشرة، بل تكون من خلال وسيط قد يكون نصاً لغوياً، وقد يكون شيئاً دالاً، وفي كلتا الحالتين لا بد من وسيط يمثل «علامة» من خلالها تتم عملية فهم الموضوع من جانب الذات )(18)هذا التفريق بين الوسيط واللا وسيط، يمكن أن يفهم إذا جعلنا التأويل هو الخطوة الثانية بعد التفسير، بمعنى أن كل مؤول لابد أن يكون مفسراً، وليس العكس، وإلا اُعتبرت هذه الحركة الذهنية والقفز إلى المغزى حركة غير مؤسسة علمياً، وبالتالي يصبح المعنى الأولي الذي يكشفه التفسير وسيط حتمي للتأويل، كما أن اللغة وسيط حتمي للتفسير، ولذا لا نرى وجهاً لهذا التفريق إلا من جهة أن التأويل هو ساحة العقل التي يعبر بها إلى المغزى.



ومن هنا يمكننا أن نتفق معه على أن التأويل هي حركة من الظاهر إلى الباطن، وهو أصل المدعى، ولكن أي باطن وبأي آلية وهل هناك حدود لا ينبغي تجاوزها، وماذا يعني العمل العقلي الحر في النص، هل هو إلزام النص بسلطة العقل ؟ أم كما بينا هو تفعيل العقل ببصائر الوحي، وهكذا ترجعنا هذه الأسئلة إلى نقطة الانطلاق والمربع الأول، ولم نفهم معنى للتأويل عنده إلا في إطار هجومه الكاسح على سلطة التراث والمطالبة بإعطاء هامش أكبر لحرية العقل، وتبقى هذه الدعوى من غير جدوى إذا لم ترتكز على توضيح المنهجية والآلية، ولا يمكن أن نعتبر قوله (إن التأويل الذي لا يعتمد على التفسير هو التأويل المرفوض والمكروه، فالاستنباط لا يعتمد على مجرد التخمين ولا على إخضاع النص لأهواء المفسر وأيديولوجيته مهما كانت النوايا حسنة، وإنما لا بد أن يستند الاستنباط إلي حقائق النص من جهة وإلى معطياته اللغوية من جهة أخرى ثم لا بأس بعد ذلك من الانتقال من الدلالة إلى المغزى دون الوثوب مباشرة إلى «المغزى» يتعارض مع دلالة النص)(19) لا نعتبر ذلك حلاً للمشكلة المتوقعة من أدلجة النصوص لأن الاستناد على حقائق النصوص هو أول الكلام لأن كل الوجوه تحتمل أن تكون حقائق للنصوص كما أن معطيات اللغة لم تمنع من الاختلاف في التفسير فما بال التأويل، وإذا نظرنا إلى بعض تأويلاته لبعض النصوص، نجد أنها ليست انتقال من حقائق النص إلى مغزى النص، وإنما انتقال من الواقع الزماني والمكاني، ومن ثم فرضه على النص، وهذه الدراسة لا تتحمل شحذ الشواهد، مما يُنبي عن أزمة منهجية حادة حول آليات التأويل.





التأويل في دلالة النصوص والروايات


لا بد أولاً أن نؤكد على الحدود الفاصلة بين التفسير والتأويل، ومن ثم رسم دوائر خاصة تتكامل بها الرؤية في حقل التفكر الإسلامي، وهنا نشير إلى ملاحظة، وهي أن التأويل الذي أهمل في الفهم القرآني أو أستبعد عند البعض قد تكرر في القرآن سبع عشرة مرة، في حين أن كلمة تفسير لم ترد سوى مرة واحدة، مما قد يفهم منه تجذيراً لهذا المصطلح في نفسية هذه الأمة، أو إشارة لما يمكن أن يحمله من دلالات جديرة بالوقوف والتأمل فيها، كما لا بد أن نفهم التأويل ضمن الإطار الذي وصف فيه القرآن نفسه بمعنى أنه كتاب حكمة وبصائر فلا يتجاوز التأويل هذا الوصف قال تعالى ﴿ذَلِكَ مِمّآ أَوْحَىَ إِلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ (20) وقال: ﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلاُبَيّنَ لَكُم بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ الزخرف 43 وتارة يسمي هذه القيم بالبصائر، لأننا نبصر بها الواقع قال تعالى: ﴿قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رّبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ﴾ الأنعام6 وقال: ﴿ هَـَذَا بَصَآئِرُ مِن رّبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف 7 وقال: ﴿بَصَآئِرَ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ﴾



إذا رصدنا كلمة التأويل في الآيات الروايات، يمكننا أن نفهم أن للتأويل معنيين



المعنى الأول: يمثل حركة من الظاهر إلى الباطن



والمعنى الثاني: من الباطن إلى الواقع وضبط المتغير، وكليهما يشكلان حقيقة واحدة وهي فهم النص وتطبيقه، وبالتالي نعتقد أن التأويل هو الطريق الرابط بين ظاهر الحدث والبنية المحركة لهذا الحدث، فكل حركة على مستوى الظواهر الكونية، أو السلوك الإنساني، تتحرك وفق بنية تحتية تكون بمثابة المحرك للظواهر، فالظاهرة الكونية تتحرك وفق سنن الله في الطبيعة، كما أن السلوك الإنساني على مستوى الإرادة والاختيار، يتحرك وفقاً للغايات، والأهداف، والغرائز،والقيم، وكذا النص يحمل بنية تحتية تمثل الحكمة الباعثة لتشكل النص، فالباطن المقصود بالتأويل هو بمعنى السنة أو الأصل أو الحكمة الذي يرجع إليها الظاهر، وليس مطلق الباطن.



وإذا رجعنا للبنية اللغوية لكلمة (تأويل) نجدها مأخوذة من (الأول) وهو الرجوع والعودة إلى الأصل ومن هنا (أول) الشيء رجع إلي أسبابها وعللها الحقيقية.



والروايات التي جاءت في هذا الصدد يمكننا تقسيمها كالأتي :



1- روايات تبين أن للقرآن ظهر وبطن ،جاء في الكافي عن الصادق عن آبائه قال: قال رسول الله في حديث طويل يصف فيه القرآن (وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم) تبين هذه الرواية بأن علوم القرآن ومعارفه هي مستبطنة في النصوص، وهو ما يعبر عنه بالباطن، كما أن له ظهر وهو الأحكام .



2- روايات تبين أن بطن القرآن هو التأويل، فقد جاء في تفسير العياشي، عن الفضيل بن يسار، قال سألت أبا جعفر عن هذه الرواية (ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن) ماذا يعني بظهر وبطن ؟ قال: ظهره تنزيل وبطنه تأويل..) فهذه الرواية تؤكد أن عملية التأويل هي التحرك نحو الداخل لاكتشاف بطن القرآن



3- روايات تبين أن التأويل هو معرفة السنن، ففي تكملة الرواية السابقة يقول الإمام ( ظهره تنزيل وبطنه تأويل منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجرى كما تجري الشمس والقمر) فتؤكد هذه الرواية على أن شمولية القرآن واستمراريته تتحقق وفق عملية التأويل، فهي التي تجعل النص يحتمل خاصية الجري والانطباق



4- روايات تبن أن هذه البطن التي لا تدرك إلا بالتأويل هي الحِكم والقيم التي ترتكز عليها الأحكام فهي الوحيدة التي تعطي النص خاصية الجري والانطباق، فلا يمكن تصور اتساع الأحكام الجزئية إلى أكثر من مصاديقها المشخصة بها، جاء في المعاني عن حمران بن أعين قال: سألت أبا جعفر عن ظهر القرآن وبطنه فقال: (ظهره الذين نزل فيهم القرآن، وبطنه الذين عملوا بأعمالهم يجري فيهم ما نزل في أولئك) فعالجت هذه الرواية إشكالية حصر النص بزمان نزول الوحي أو أي زمان آخر، وإنما جعلت للنص خاصية يمكن أن يكون مستوعباً بها كل زمان ومكان، وبالتالي يكون التأويل هو الآلية التي تعطي النص استمراريته، باكتشاف العلة والحكمة التي تكون قاسماً مشتركاً لكل الأزمان، وبالتالي نكون قد خلصنا إلى أن التأويل هو حركة إلى باطن النص، وأن الباطن هو العلة والسبب الموجب للظاهر، فإذا نظرنا بهذه البصيرة التي كشفتها لنا الروايات إلى آيات القرآن التي اشتملت على كلمة التأويل يمكننا تأكيد هذا المعنى.



وقد راعينا في تقسيم الآيات نفس ترتيب الروايات التي تتحدث على أن بضن القرآن هو العلم وهذا العلم هو التأويل وهذا التأويل هو الذي يعطى للنص استمراريته وهذه الاستمرارية بسبب كشف التأويل للسنن والحكم التي تحرك الظاهر .





التأويل طريق العلم والحكمة


1- قال تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾(38) ﴿بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ تؤكد هذه الآية على ما وصلنا إليه، أن التأويل هو طريق العلم والحِكمة، والفرق بينه وبين التفسير، إن التفسير هو معرفة الُحكم، والتأويل هو معرفة الحِكمة، فإذا نظرنا لهذه الآية من خلال أن باطن القرآن هو العلم، وإن هذا العلم لا يتحصل إلا عن طريق التأويل، تكون النتيجة الطبيعية أن علم القرآن رهن بتأويله، وهذا هو منطوق ا
shawty
shawty
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 202
نقاط : 5398
تاريخ التسجيل : 11/12/2010
العمر : 29

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى